قضية تعذيب الممثلة المصرية وفاء مكي لخادمتها من القضايا التي أثارت الرأي العام في مصر، خاصة وأن تلك القضية في ذلك الوقت كانت غريبة فضلا عن بشاعتها. بدأت في 21 أكتوبر العام 2001 وفي 26 ديسمبر من العام نفسه عاقبت محكمة جنايات شبين الكوم «شمال دلتا مصر» وفاء مكي بالسجن 10 سنوات أشغالا شاقة. وسنة لبقية شركائها في القضية نفسها، لكن في 30 أبريل من العام 2002، أعيدت المحاكمة وخففت محكمة النقض الحكم إلى 3 سنوات حبسا لوفاء مكي. تعذيب شديد بداية القضية... كانت يوم 21 أكتوبر 2001 عندما أبلغ أطباء مستشفى قويسنا العام الشرطة المصرية في المنوفية «شمال دلتا مصر» باستقبال فتاة عمرها «16» عاما، اسمها «مروة»، في حالة سيئة، بعد إصابتها بكدمات وسحجات خطيرة. وبالفحص الطبي - بحسب التقارير ونصوص التحقيقات الرسمية - على الفتاة تبين وجود آثار لجروح ملتئمة بالساقين ومنطقة البطن والظهر والجذع، وأيضا كدمات بالرأس مر عليها أكثر من 20 يوما، كما بين توقيع الكشف الطبي على الفتاة وجود جروح عليها آثار التئام مع تجمع دموي شديد بفروة الرأس. التقرير الطبي وذكر التقرير الطبي «أن كدمات الرأس احتوت على صديد بكميات كبيرة، وكان واضحا أن الفتاة تعرضت لتعذيب شديد لا تطيقه فتاة في هذه السن الصغيرة، ما دفع الطبيب الذي فحص الفتاة إلى إبلاغ الشرطة ، التي استجوبت المصابة الصغيرة مروة وأختها الكبرى هنادي. التي كانت مصابة بجروح وآثار ناجمة عن شدة التعذيب، وبدأت المفاجآت بعد ذلك تتكشف للشرطة، فمع استجواب مروة قالت: إن الذي أصابها بتلك الجروح والتعذيب الممثلة المعروفة وفاء مكي، ووالدتها، مضيفة: إنها تعمل عند وفاء مكي منذ 3 سنوات مع أختها الكبرى هنادي، كانت مهمة مروة مسح وكنس الأرضيات والتنظيف، أما أختها هنادي فقد كانت مسؤولة عن تجهيز الملابس، كانت مروة فرحانة جدا بعملها، فقد كانت تعمل لدى ممثلة، لكن كل شيء بدأ يتغير قبل الحادثة بشهر واحد. المعاملة تغيرت قالت مروة ـ كما جاء في نصوص التحقيقات-: بدأت الست وفاء تعاملني بقسوة هي ووالدتها، مش عارفة ليه كانوا بيعاملوني كده، كانت الست وفاء بتعذبني، كانت بتضربني وتعطيني حبوبا منومة وكمان حقن علشان ما أحسّش بالتعذيب، وكانت الست الكبيرة «والدة وفاء» تضع الكرسي فوق جسمي وتيجي الست وفاء وتكتف ذراعي وبعدين بسكينة ساخنة تكوي جسمي. وفي مرة من المرات ضربتني الست الكبيرة على دماغي وفي إحدى المرات أرغمتني الست وفاء ووالدتها على تسجيل شريط كاسيت أعترف فيه «أنا وشقيقتي هنادي» بأننا سرقنا مصوغات الست وفاء وأموالها، وبعد فترة طويلة من التعذيب ساءت حالتي الصحية، الأمر الذي جعل الست وفاء تحضرلي طبيبا يكشف عليّ وبعدالكشف قال لهما «لازم تتخلصوا من البنت دي بسرعة لأن حالتها خطيرة». وبالفعل طلبت وفاء مكي من ابن خالتها وممثل آخر اسمه أحمد البرعي أن يصطحبا مروة في سيارة، لإلقائها عند شريط السكة الحديد - حسب تأكيدات مروة - بالقرب من بلدتها قويسنا - محافظة المنوفية - وجرت مروة على بيت جدتها حيث نقلوها إلى المستشفى. وبعد تحرير محضر بأقوال الخادمة الصغيرة «مروة»... تم عرض المحضر على نيابة قويسنا، التي استصدرت أمرا بتوقيف وإحضار وفاء مكي ووالدتها وابن خالتها والممثل أحمد البرعي للتحقيق معهم. مطاردة المتهمين وعلى الفور انطلق رجال الشرطة في محافظتي المنوفية والجيزة لملاحقة المتهمين الأربعة، وبحثت عنهم، وبعد أيام تم توقيف الممثل أحمد البرعي، لكنهم فشلوا في القبض على وفاء مكي ووالدتها، واستمرت وفاء «3» أسابيع مختفية، ما دفع البعض للاعتقاد باحتمال هروبها خارج مصر. لكن تحريات الشرطة نفت ذلك، خاصة بعدما أكد مصدر أمني مصري أنه تم رصد مكالمات تليفونية عدة أجرتها المتهمة الهاربة بعدد من معارفها، جاءت جميعها عبر كبائن التلفونات العمومية المنتشرة بشوارع القاهرة. كانت تحريات رجال الشرطة، الذين حاصروا منزل وفاء مكي - بشارع مصدق بضاحية الدقي بالجيزة - تؤكد أن وفاء وقبل صدور قرار النيابة بتوقيفها استقلت سيارتها الخاصة مع والدتها من أمام البناية التي تقطنها، وكانت ترتدي حجابا وجلبابا فضفاضا، وكان يبدو عليها القلق والتوتر، وكانت تحمل حقيبة «هاندباج» وتلفتت بسرعة، وانطلقت بسيارتها إلى مكان مجهول. وطيلة فترة البحث التي دامت «3» أسابيع... لم يفقد رجال المباحث الأمل في العثور على وفاء مكي ووالدتها، وكانت هناك أقاويل تتردد من أن وفاء تحوز هاتفين وأنهما دائما مغلقان ولا ترد إلا على المكالمات الخاصة جدا، خصوصا محاميها والفنان أشرف زكي، والذي كان ـ آنذاك ـ سكرتير نقابة الممثلين المصريين، كما تؤكد الأقاويل أن الفنانة كانت تتصل بأقاربها من التلفونات العمومية. شائعات بالهروب طوال فترة هروب وفاء مكي... أعطى الفرصة لانطلاق العديد من الشائعات ـ كما ذكرت صحيفة الجمهورية ـ وكانت من تلك الشائعات أن عضوا بمجلس الشعب يساعدها على الاختفاء، وأن نائبا آخر تفاوض مع محامي وفاء مكي من أجل إنهاء قضية تعذيب الخادمتين، وشائعة أخرى قالت: إن وفاء مكي كانت ترتدي النقاب لتتخفى عن العيون وأنهما - هي ووالدتها - ترددتا على أماكن عدة في مصر القديمة ومحافظة الغربية «وسط دلتا مصر». وبالرغم من الشائعات التي أثيرت، كان لرجال الشرطة كلمتهم الخاصة في ذلك السياق، عندما تمكنوا من توقيف وفاء مكي ووالدتها وطليقها في كمين نصب بـ «بركة السبع»، وتبين أن وفاء مكي كانت تستعين بأقاربها في الهروب، واستأجرت سيارة خاصة لاستخدامها في التحركات بين القاهرة والجيزة، وخلال «10» مكالمات تليفونية مع رجال الشرطة لم تقتنع وفاء بتسليم نفسها. ووعدت الشرطة أكثر من مرة بإنهاء رحلة الهروب، لكنها لم تنفذ وعدها، وبعد أن شعرت بتضييق الخناق عليها سافرت مع طليقها إلى مدينة طنطا بالغربية واستأجرت شقة بشارع «توت عنخ آمون» قضت فيها بعض الأيام بعد أن تخفت في زي منتقبة لتهرب من أعين الشرطة. لكنها قررت العودة للقاهرة لتستأنف المفاوضات مع محاميها، أما رجال الشرطة فتمكنوا من ضبطها عند كمين بركة السبع، وأحيلت على النيابة مع والدتها وابن خالتها وطليقها والممثل أحمد البرعي، وتم تحديد جلسة عاجلة لمحاكمته، بعد أن اتهمت النيابة وفاء مكي ووالدتها بهتك عرض الخادمتين ـ مروة وهنادي ـ وتعذيبهما واحتجازهما وضربهما، وواجه بقية المتهمين تهمة إخفاء وفاء ووالدتها عن العدالة والمساعدة على إخفاء آثار الجريمة. جلسات المحاكمة بدأت أولى جلسات القضية في محكمة جنايات شبين الكوم في مصر ، ومثلت أمامها وفاء مكي ووالدتها ليلى عبدالقادر والممثل المغمور أحمد البرعي، وابن خالة الفنانة «أنور الفار» وطليقها أيمن غزالي،ووجهت النيابة لوفاء ووالدتها تهمة الاعتداء على الخادمة مروة فكري بأن شلتا حركتها وجردتاها من ملابسها، واحتجزتاها قرابة الشهر، وقامت وفاء بمساعدة والدتها بتعذيب الخادمة بالكي بالنار والضرب بعصا غليظة ومحاولة نزع أظافرها. جلسة المحاكمة الأولى شهدت مرافعات ساخنة، ومناقشات حامية من قبل دفاع المجني عليهما ودفاع المتهمين واستمرت مرافعات الدفاع قرابة «8» ساعات بدأها دفاع المجني عليهما، الذي أكد أن الجريمة شنعاء، وأشار إلى أن أدلة الثبوت في الأوراق تكشف السر الخطير في تعذيب وفاء مكي للخادمتين، بعد أن شاهداها في وضع مخل، وأن وفاء قامت بجريمتها متخيلة أنها - فوق القانون - وعذبت الطفلة مروة مستخدمة سكينا محماة على النار، وتزامنت الإصابات مع زمن وقوع الجريمة وقتها، وأن هناك تطابقا بين تقرير الطب الشرعي وبين ما قالته مروة وهنادي في محضر النيابة، وأن الفقر هو الذي دفع والدهما إلى إلحاقهما بالعمل داخل المنازل. وأضاف دفاع المجني عليهما ـ الذي طلب تعديل القيد والوصف للمادة «242» من قانون العقوبات، وأدلة الثبوت في الدعوى ـ : إن الدعوى واضحة في أقوال المجني عليهما ونوه إلى عملية التعذيب في أوراق القبض على المتهمين وشهادة المجني عليها الأولى مروة، وأقرت هنادي أن أختها وقع عليها التعذيب عن طريق استخدام سكين من قبل وفاء مكي، وما جاء بتقرير الطب الشرعي، الذي أكد أن هنادي بها إصابات حروق غير منتظمة وقال: إن كلام هنادي يتطابق مع الواقعة. رد دفاع المتهمين واستمعت المحكمة أيضا إلى دفاع المتهمين، الذي طلب من المحكمة أن تراعي بعين الاعتبار عجلة جهة التحقيق في إحالة القضية على المحاكمة، ودفع بعدم اختصاص المحكمة محليا استنادا إلى المادة 217 من قانون الإجراءات، والتي تحدد إجراءات المحاكمة، والتي تنص على مكان وقوع الجريمة وموقع توقيف المتهمة أو موطنها، وأن الحادثة وقعت بدائرة قسم الدقي والمتهمة هي التي سلمت نفسها بمحض إرادتها للشرطة ولم يتم توقيفها. كما دفع ببطلان قرار الحبس من النيابة العامة وبطلان القضية ـ لأن ما بُني على باطل فهو باطل ـ وأن الضابط الذي قام بعملية القبض والنيابة التي أصدرت القرار غير مختصين، وأضاف الدفاع: إن المجني عليها تأثرت بمصاحبة المتهمة للأستوديوهات والبلاتوهات فاختلقت واقعة مقتبسة من الأفلام السينمائية، وهي وجود مخدومتها مع آخر. النطق بالحكم وبعد 8 ساعات من المناقشة الساخنة، حجز رئيس المحكمة القضية للحكم لجلسة الأربعاء 26 ديسمبر 2001 ... وفي صباح ذلك اليوم حضرت المتهمة وبقية شركائها في الجريمة إلى المحكمة بسيارة الترحيلات، وفي الساعة الواحدة والنصف أصدر رئيس المحكمة حكمه في القضية. حيث قضى بمعاقبة المتهمة وفاء مكي بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات والحبس عاما لكل من والدتها وابن خالتها وطليقها والممثل أحمد البرعي وإلزامها بدفع مبلغ 51 جنيها تعويضا موقتا للمجني عليهما. الطعن على الحكم وبمجرد سماع حكم المحكمة أكد دفاع الممثلة ومحاميها أحمد الفقي - في تصريحات للصحافيين - أنه سيطعن بالنقض في الحكم الصادر ضدها خلال أيام، وأن الطعن يشمل بقية المتهمين، وأن مذكرة الطعن بالنقض على وشك الانتهاء من إعدادها قانونا، وأن مذكرة النقض تعتمد على شقين الأول... قانوني، حيث إن الحكم شابه القصور والبطلان لما يحتويه من خطأ في تطبيق القانون وفساد الاستدلال، ومن ثم يترتب على هذا القصور نقض الحكم ، لأن هيئة المحكمة أهدرت ما أدلى به الدفاع من دفوع، خاصة فيما يتعلق بالتقرير الطبي المبدئي، وتقرير الطبيب المبدئي وتقرير الطبيب الشرعي. أما الشق الثاني... الذي استند إليه فهو خاص بالتحريات ورأى أنها معدومة ولا يترتب عليها أثر قانوني لأنها تناقضت مع بعضها تماما، علاوة على أن هناك تناقضا في أقوال المجني عليهما، وأن ذلك واضح في تحقيقات النيابة ومحضر الضبط ما يؤدي إلى كذب البلاغ، وبالتالي تكون المتهمة ووالدتها ومن معهما قد تم الحكم عليهم على إثر بلاغ كاذب، وبالتالي تنعدم جميع الآثار المترتبة على هذا البلاغ. الفنانة في السجن أما وفاء مكي فبعد صدور الحكم عليها والنطق به وإجراء «الفيش والتشبيه» نقلتها سيارة الترحيلات إلى السجن في الرابعة مساء لتبدأ وقائع الساعات الأولى خلف الأسوار العالية، حيث حرصت النزيلات على استقبال المتهمة ـ بشكل خاص ـ كما ذكرت صحيفة أخبار الحوادث. وقال محامي وفاء: إنها بعد سماع الحكم أصيبت بذهول وإعياء تام، فلم تكن تتوقع أن يكون الحكم على ما صدر به - أي 10 سنوات أشغالا شاقة - وأنها كانت شاردة وأخفت عينيها خلف نظارتها السوداء حتى تتفادى نظرات الجالسين حولها. وعندما دخلت بوابة السجن بصحبة الحرس الخاص بها، طلبت أن تحتضن التي كانت معها في نفس السيارة لتهدئ من روعها. فقد كانت الأخيرة شبه منهارة، وتم توزيع كل منهما على عنبرين مختلفين وتوجهت الأم إلى عنبر الإيراد لتمكث به 11 يوما من تاريخ وصولها، ثم يتم ترحيلها إلى عنبر «النفس» لتقضي فيه العقوبة وهو نفس العنبر، الذي قضت بداخله وفاء باقي العقوبة. وتم نقض الحكم في 16 ديسمبر العام 2002، وقضت المحكمة بقبول طعن وفاء مكي، وبقية المحكوم عليهم في الأحكام الصادرة ضدهم من محكمة جنايات شبين الكوم وإعادة محاكمتهم من جديد، كما قضت محكمة النقض بعدم اختصاص محكمة جنايات شبين الكوم بنظر الدعوى ومحاكمتهم أمام محكمة جنايات الجيزة جهة الاختصاص وأجلت محكمة جنايات الجيزة أولى جلساتها لإعادة محاكمة وفاء مكي ووالدتها ليلى عبدالقادر الفار، وابن خالتها أنور الفار والممثل أحمد البرعي وطليق وفاء مكي أيمن غزالي لجلسة 30 أبريل 2003 إداريا استجابة لطلب الدفاع الحاضر مع الطاعنين بالنقض، وطلب دفاع وفاء مكي نظر القضية في الدور نفسه، وأصدر رئيس المحكمة المستشار محمد عبداللطيف القرار، وتم إيداع وفاء مكي قفص الاتهام بحراسة رئيس حرس المحكمة. حيث حضرت بملابس السجن البيضاء، بينما جلست والدتها تتكئ على عكازها ومعها الممثل أحمد البرعي، وابن خالتها أنور الفار في قاعة المحكمة، لأنهم قضوا مدة العقوبة بالسجن سنة وأفرجت عنهم السلطات بعد قضاء المدة في أغسطس 2002، بينما لايزال طليقها داخل السجن على ذمة قضية أخرى، في حين عرضت وفاء مكي محبوسة من محكمة الجنايات بالجيزة. وقررت المحكمة إرسال ملف القضية إلى محكمة استئناف القاهرة لتحديد جلسة لبدء محاكمة المتهمين من جديد لتقضي المحكمة بتخفيف الحكم عن وفاء مكي من 10 سنوات إلى 3 سنوات بعد أن تم قبول النقض، وانتهت فترة العقوبة في 5 نوفمبر العام 2004 ولكن وفاء مكي خسرت كثيرا بعد إدانتها في هذه القضية، حيث أنطفأ توهجها وتراجعت أسهمها الفنية، ولم تقدم عملا يذكر خلال 5 سنوات.