مكتب المحامي ايمن احمد الحسون

محاكمة وزير الحربية شمس بدران

في كتابه «حرب الثلاثين سنة 1967 الانفجار»... كتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل: «عندما أصنف مجموعة القادة العسكريين المحيطين بالمشير عبدالحكيم عامر منذ سنوات طويلة. شمس بدران كوزير للحربية فإن صورة الإدارة اختلطت بصورة الأمن وحين يكون الأمن أحد المكونات الرئيسية في طبق الإدارة... تأكل الشعوب الحصرم». هذه مقدمة لابد منها قبل الخوض في تفاصيل محاكمة وزير الحربية المصري الأسبق شمس بدران على خلفية حرب النكسة، باعتبارها من المحاكمات المثيرة. كانت هزيمة 5 يونيو 1967 أدت إلى إحالة عدد من العسكريين على المحاكم ومنهم وزير الحربية الأسبق شمس بدران المولود في العام 1929، والذي اعتبر مسؤولا كبيرا عن النكسة، وكشفت محاكمته العديد من الحقائق التي أدت إلى هذا الانكسار، تلك المحاكمة شغلت كثيرا الرأي العام المصري بل تعدته إلى الشارع العربي. فواقع النكسة كان مدويا ويصعب على كل مصري أو عربي أن يصدق ما حدث، وأن يقول وزير الحربية بعد الانكسار: «إحنا اتخمينا حتّة خمة». في مذكراته قال رئيس هيئة العمليات خلال حرب أكتوبر 1973 اللواء محمد عبدالغني الجمسي: «جاء الدور على شمس بدران وزير الحربية بتقديمه للمحاكمة». ماذا حدث؟ أثناء هذه المحاكمة في فبراير 1968 سأله رئيس المحكمة عن رأيه في ما حدث، وترتب عليه هزيمة يونيو فرد قائلا: لما تطور الموقف ورأينا أننا لازم نسحب البوليس الدولي ـ قوات الطوارئ الدولية ـ علشان نبين إن إحنا جاهزين للهجوم لأن وجود البوليس الدولي يمنع أي عملية دخول لقواتنا وانسحب البوليس الدولي، استتبع ذلك احتلال شرم الشيخ الذي استتبع إغلاق خليج العقبة. وواصل بدران كلامه: «وكان الرأي أن جيشنا جاهز للقيام بعمليات ضد إسرائيل وكنا متأكدين 100 في المئة أن إسرائيل لا تجرؤ على الهجوم أو اتخاذ الخطوة الأولى أو المبادرة بالضربة الأولى، وأن دخول إسرائيل أي عملية معناها عملية انتحارية لأنها قطعا ستهزم في هذه العملية». ولما سألته المحكمة مستفسرة عن رأيه في أن الريّس عبدالناصر قرر إغلاق خليج العقبة بعد أن ـ أخذ تمام ـ من القائد المسؤول. رد شمس بدران قائلا: «القائد العام المشير عامر. أعطى تمام وقال أقدر أنفذ وبعدين من جهة التنفيذ كان صعب عليه». مش كتير اللي حصل؟ وعلق رئيس المحكمة على كلام شمس بدران قائلا: «والله إذا كانت الأمور تسير بهذا الشكل وتحسب على هذا الأساس ولا تكون فيه مسؤولية الكلمة ومسؤولية التصرف، يبقى مش كتير اللي حصل لنا». بدأت المحاكمة في 24 فبراير العام 1968 حيث افتتح القاضي الجلسة بقوله «باسم الحق تبارك وتعالى. وباسم الشعب وحقه على الثورة نفتتح الجلسة» ونادى على المتهم شمس بدران، والمحامي محمد علي رشدي. وغادر وقتئذ المتهم القفص وجلس أمام المنصة، وهنا أراد المحامي محمد علي رشدي أن يدلي بكلمة قبل المحاكمة فقال: «إن هذا المتهم ـ شمس بدران ـ كجميع المتهمين. يحاكمون باسم الثورة ومصلحة الشعب، إنما هم يحاكمون قبل كل شيء أمام قضاة عدول ولا يجوز أبدا أن تكون هذه المحاكمة محل إثارة أو تشهير أو تجريح». مشيرا إلى ما نشر في الصحف قبل محاكمة شمس بدران بوصفه «المذنب الكبير». والأحداث بتبتدي في أوائل صيف 62 في شهر مايو، حصل إن الريّس أخذ قرارا بأن جميع أعضاء مجلس الثورة أو نواب الريّس يتركوا شغلهم الرسمي وينضموا للتنظيمات الشعبية في الاتحاد القومي أيامها، وكان الكلام ده يشمل جميع الناس بمن فيهم المشير عامر ـ الله يرحمه ـ والمشير وافق، وفي هذا الوقت كانت الظروف لا تسمح من وجهة نظري الشخصية بأن المشير يترك القوات المسلحة... وكنت أرى من الخطورة أن المشير يترك القوات المسلحة. وأنها تبقى فاضية في هذه الظروف وإلا يحدث مالا تحمد عقباه ـ وده من وجهة نظري» وبنى وجهة نظره كما أكدها للمحكمة «أن الجيش ليس في ظروف أن يُترك من دون قائد وماكانش يستحمل في هذا الوقت أن يحصل فيه تغيير لأنه كان فيه كلام كثير يحدث حالة بلبلة تحدث انقسام في الجيش». توتر وعن تغيير بعض قيادات الجيش. قال بدران لهيئة المحكمة «كان فيه توتر ـ في أوائل 1962 ـ كان رأي الريّس جمال عبدالناصر. تغيير قيادة الطيران وأن يغير صدقي محمود وجمال عفيفي بالذات، والريّس كان زعلان والمشير كان رأيه إن صدقي محمود ـ أصلح واحد ـ وكان فيه فرق كبير بين صدقي وبين الناس اللي بعده وإن محدش منهم يصلح ليحل محل صدقي في قيادته للطيران. والريّس قال كذا مرة من أنه عاوز يغير صدقي محمود وجمال عفيفي وأنا رحت وقلت للرئيس فقال لا، المشير اتصل بي وأنا قلت بلاش صدقي ينشال ويكتفي بشيل جمال عفيفي وانشال فعلا، وإنما اللي جه بعده ماكانش في كفاءته ورجعه تاني قبل العمليات بـ «4» أشهر. وضع مقلوب وقال بدران للمحكمة ـ بحسبما ورد في نصوص المحاكمة التي نشرتها الأهرام ـ «انتهى الأمر إلى أن الريّس رجع وافق تاني على أن صدقي يستنى، إنما أنا معرفش وافق ليه، وكان المشير قال لي أبلغ الريّس إنه يكون مطلق اليد في هذا الموضوع وقالها بالإنكليزية «فري هاند». وعلق القاضي بقوله «إيه الوضع المقلوب ده، إزاي المشير وشمس يبلغوا الريّس إن عنده اليد المطلقة يشيل أي واحد؟ فرد بدران «بس ألفاظ» ما دفع القاضي إلى القول «والله اللفظ هنا له معنى كبير، لأن ده موضوع القضية إنه كان هناك انقلاب سلمي سنة 62، لما ييجي الريّس يقول إنتم فاكرين إني كنت أقدر أقول لأي شيء كن فيكون ويقوم ييجي يقبل الحلول الوسط اللي يقدر يحلل هذا الكلام يعرف أبعاد هذه القضية». وهنا رد بدران على القاضي «والله ماكنش فيه انقلاب سلمي سنة 62» وذكر أن المشير عامر. لم يتفق مع الريّس ـ جمال عبدالناصر ـ في القانون وقدم المشير استقالته، والقانون قدم لمجلس الرياسة وفتح فيه باب المناقشة، وعندما رأى المشير إن العملية ستدخل موضع الجد والتنفيذ ترك المجلس». وعندما سأله القاضي «يعني إنت متصور في هذا الوقت تقوم حرب أهلية؟ فقال شمس بدران «حرب أهلية ليه... هو استقال». لكن القاضي علق قائلا: «إذا كنا في حالة الهزيمة والجيش مكسور تقوم بمؤامرة؟ لكن بدران نفى وجود مؤامرة وقال «الموضوع كان فيه عاملين... العامل الأول بتاع صدقي وهو وافق إن ـ صدقي ـ يستنى،. واللي عرفته إن الريّس أخذ برأي المشير علشان ما تحصلش أزمة وبعد كده ـ زي مافهمت ـ وجدوا جمال عفيفي كويس ورجعوه». مضيفا: أنا عارف الجيش كويس وبقى لي 15 سنة فيه، وموضوع صدقي انتهى عند هذا الحد. أزمة هريدي وقبل موضوع صدقي كان فيه موضوع جلال هريدي... وجلال هريدي كان عنصرا آخر من عناصر الإثارة بين المشير والريّس، وموضوع صدقي محمود كان للريّس الحق في بقائه أو تنحيته، وأنا اقنعت المشير بهذا، أما موضوع جلال هريدي والإذاعة المشهورة بتاعته.كان قبل صدقي، وجلال كان هاجم الريّس وشمس بدان في إذاعة سورية، وبقية المقالة كلها مدح في المشير، والمقالة د ي عملت أثر مش تمام والمفروض إنه راجل صاعقة، ومكانش يصح إنه يقول هذا الكلام تحت أي ظروف، واللي أنا عرفته إنه كان في السجن ومنهار، ولما رجع جلال هريدي أنا وجدت إنه شخص مسؤول وكان يجب أن يتحمل ولا يحصل منه هذا، وكان رأيي إنه يطلع معاش». «نمرة 2» ويسرد شمس بدران العرض الذي عرض عليه بالنسبة للوزارة فقال لهيئة المحكمة «حدث في مارس أو أبريل 1966، وأنا خرجت مخصوص متعمدا أن أبعد عن الاتصالات، وتركت رأيي وسافرت علشان مايكونش فيه مجال للأخذ والرد، وطبعا كانت الفكرة الرئيسية إني - هابقى نمرة 2 - بعد المشير. علشان إذا حصل حاجة ـ لا قدر الله ـ وده كان رأيهم وبعد ذلك إحنا رحنا لباكستان وأنا بأقولها لأن لها علاقة بموضوع ـ قفل شرم الشيخ ـ والموضوع بدايته في أوائل 67». وأكمل: «والرحلة دي ـ لباكستان ـ كانت في ديسمبر 66، المشير راح لباكستان ورحت معاه أنا وصلاح نصر. في هذا الوقت تصادف إن مجلس دفاع الجامعة العربية كان عاقد اجتماع بناء على توصية مؤتمر القمة وكان الاجتماع في مصر، وكانت الدول العربية الرجعية مركزة حملاتها على إننا حاطين البوليس الدولي علشان يحمينا، دي كانت الحملة الصحافية المسعورة، في هذه الأيام المشير جات له فكرة إننا نعمل حاجة من شأنها منع هذه الحملة المسعورة، إغلاق الخليج وأكد بدران للمحكمة أن الريّس لم يكن يريد لنا أن نأخذ الضربة الأولى في الحرب لأن أميركا سوف تساند إسرائيل وان المشير كان مقتنعاً بفكرة عدم الضربة الأولى، حصل تحديد موعد معين لقفل الخليج، وكان الموعد قصيراً جدا لدرجة استحالة تنفيذه، فاضطر المشير يجيب وحدات مظلات ووحدات خفيفة راحت احتلت، يعني اضطر يعمل عملية سريعة كان فيها متاعب كتيرة وكان متضايقاً وقلت له إنت وافقته على هذا، قال والله أنا أرتبط فقلت له ـ ده غلط ـ وكان يجب تناقش الريّس أولا... الريّس قال للمشير تقدر تقفل في ظرف «كذا». قال أقدر والتنفيذ كان صعباً عليه» وعندما قالت له هيئة المحكمة: ولماذا لم تقل ذلك الكلام قال بدران «ده اللي أنا قلت له، قلته له مادام متقدرش، مش كنت تقول للريّس وتأخد فرصة أكتر» وهنا علق القاضي قائلا: «إذا كانت الأمور تسير بهذا الشكل ولا تكون فيه مسؤولية الكلمة بالنسبة لهذا البلد مش كتير اللي حصل؟» سفرية روسيا وفي سرده أكمل بدران قصته للمحكمة قائلا «وبعدين تم قفل الخليج والقوات تمركزت في سينا والريّس كلفني أروح روسيا وحصلت مفاوضات ورجعت من روسيا وجيت لقيت الريّس في القيادة وفيه مؤتمر، وقلت له عن اللي حصل في روسيا، وللحقيقة أنا بأقول كلام للتاريخ علشان الشعب يعرفه، الريّس قال دلوقتي الاحتمال اترفع من 80 في المئة إلى 100 في المئة وقال أنا عندي معلومات بأنه بعد كده هايحصل هجوم من اليهود ده للحقيقة والتاريخ. أنا بأقول هذا الكلام،وطبعا الناس لم تصدق والريّس ماكانش يقدر يقول إيه المصدر اللي عرفه منه ـ وهو عرف من مصدر أميركاني ـ مش برضه الموقف السياسي يحتم إننا لا نضرب الضربة الأولى علشان تدخل الأميركان وهنا للتاريخ صدقي محمود اعترض وقال أنا مقدرش تبقى عملية معجزة بالنسبة لي تشلّني... فالمشير قال تحب تضرب الضربة الأولى وتواجه إسرائيل بس؟ فقال خلاص أنا موافق والمشير قال له: إيه الخسائر المحتملة قال 20 في المئة». الضربة الأولى وحسب تأكيدات بدران للمحكمة فإن صدقي محمود وافق على أن تكون الخسائر 20 في المئة وبالتالي وافق المشير وإن الريّس شاهد توزيع القوات ثم خرج. وقال بدران عن موضوع الطيران: «موضوع الطيران مكانش فيه حد مصدق إن اليهود هايبقى عندهم القدرة يعملوا عملية ضدنا نظرا لتفوقنا في المدرعات والطيران، علاوة على أنه كان معمول خطة ممتازة لينا ومن شأنها إنها تكسر أي مواجهة، التقدير اللي محدش قدره إن اليهود أخذوا إمكانات فنية من أميركا أنا مابقولش أخذوا إمكانات عسكرية، إنما صفوة الموضوع لاهي مظلات اتعملت أو طيارات اتوزعت أو حفلة اتعملت في أنشاص «....» العامل الرئيسي ان اليهود عملوا استكشافا تفصيليا بواسطة الأميركان لكل مسمار طيارةعندنا وحصل في أول غارة على المطارات إنهم اصطادوا الطيارات اللي بتضرب بالصواريخ، وموضوع الضربة الأولى ـ المشير وافق عليها ـ وكان المشير عاوز يضرب الضربة الأولى لأنه خايف على روح الأولاد المعنوية، وبعدين شاف إن المصلحة عدم الضربة... وإن الطيران اليهودي اعتمد على خطة أميركية». وأكمل المتهم: شمس بدران شهادته أمام المحكمة عن هزيمة 5 يونيو قائلا: «الضربة الأولى ماكانتش هاتفرق في الموقف، لأنه لو كان حصل إننا ضربنا الضربة الأولى كانت خسائرهم هاتبقى 10 في المئة وبعدين هايقوموا بالضربة الثانية ويعجزونا 100 في المئة. كان فيه 300 طائرة ميراج أعطيت لإسرائيل ماكانتش محسوبة بناء على معلومات، وبعدما انشل سلاح الطيران في ظرف يوم أصبح الموقف في رأي المشير إنه لابد من انسحاب الجيش، لأن اليهود ابتدوا يحاصروا الجيش وأخذ رأي القادة الموجودين كلهم، ووافقوا وكلم الريّس ومعرفش حصل مناقشة. وقال للرئيس أناهارجع لك كل ولادك سالمين مش هاسيب حد. ودي نص المكالمة بعد كده أن المشير رأى إزاء الموقف اللي حصل أنا تخيل لي أنه عاوز ينتحر، كان قائد عسكري كهانيبل وغيره بعد أي معركة عسكرية فاشلة». وأثناء إجراء هذه المحاكمة... تمكن شمس بدران من الهروب إلى لندن في العام 1968. وفي العام 1987... اعيدت محاكمة غيابيا بتهمة تعذيب أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، ثم قدم النائب المستقل ممتاز نصار سؤالا لوزير الداخلية عما إذا كان وزير الحربية سابقا ـ بدران ـ قد غادر البلاد بجواز سفر ديبلوماسي متوجها إلى لندن، وكيف تم التصريح له بذلك. مطالبا الحكومة المصرية بمخاطبة السلطات البريطانية لتسليم شمس بدران، وفي فبراير 1987 أعيدت محاكمته غيابيا مع اللوء محمد الجنزوري، والمقدم حسن كفافي. وآخرين بتهمة اشتراكهم في تعذيب الإخوان المسلمين. غير أن شمس بدران هرب إلى لندن، ولايزال هناك حتى الآن، وعازفا تماما عن الحياة السياسية. ملاحظة : توفي شمس بدران في لندن عام 2020