من القضايا التي دائما ما تشغل الرأي العام كثيرا قضايا التجسس... خاصة إذا كانت شبكة التجسس كبيرة وبها أكثر من طرف، وذلك ما حدث مع الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وشبكته التجسسية في مصر، التي تضم المصري عماد عبدالحميد إسماعيل وعزام. تم اعتقاله وشبكته العام 1996، وقضى عزام في السجون المصرية 8 سنوات إلى أن أفرج عنه في صفقة تبادل بين عدد من الطلبة المصريين الذين تسللوا إلى إسرائيل. والجاسوس الإسرائيلي على مصر عزام عزام... ولد العام 1963، هو درزي إسرائيلي وقد تم القبض عليه في مصر بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وتم سجنه لمدة 8 سنوات، عمل عزام عزام تحت غطاء تجارة النسيج بين إسرائيل ومصر. تجسس صناعي ولكنه اعتقل العام 1996 في القاهرة بتهمة «التجسس الصناعي» - حسبما نشرت الصحف المحلية - ومن ثم اتهم بكتابة معلومات بالحبر السري على الملابس الداخلية النسائية وتمريرها للموساد الإسرائيلي. بدأت شبكة عزام عزام التجسسية في مصر العام 1996... عندما سافر المصري عماد عبدالحميد إسماعيل - المتهم الأول في قضية الجاسوس الإسرائيلي «عزام عزام» - سافر إلى إسرائيل في فبراير العام 1996 ضمن وفد خاص بالشركة السويسرية التي يعمل فيها، والتي يمتلكها شريكان أحدهما مصري والآخر إسرائيلي، وكان الوفد يضم 11 شابا مصريا توجهوا للتدريب داخل شركة «تيفرون» الإسرائيلية للملابس الجاهزة. والتقى عماد بعد 6 أيام من وجوده داخل إسرائيل فتاة إسرائيلية تدعى زهرة يوسف جريس - 35 عاما - وصديقتها شادية أحمد إسماعيل القائمة بتدريبه بالشركة، وتوطدت العلاقة بينه وبين الفتاتين، وقام ماهر - صديق زهرة - بتجنيد عماد بعد أن عرض ماهر على عماد صورا مشينة التقط له الموساد، وبالفعل انهار عماد نفسيا وأصبح مهيأ لقبول الوضع الذي سيمليه عليه ماهر الذي أخرج له إقرارا بالعمل مع الموساد الإسرائيلي ليوقع عليه عماد ويحصل على أول مكافأة له 300 دولار، وأخرج ماهر محررا رسميا بالمبلغ ووقع عليه عماد دون تفقيط المبلغ، وبدأ ماهر في تدريبه على استيقاء المعلومات حول قياس الرأي العام إزاء بعض القضايا ومشاكل المجتمع والأزمات التي يتعرض لها وكيفية حفظ ذلك بالذاكرة من دون تسجيلها على أوراق. السقوط في الهاوية سقط عماد في المستنقع، وتسلمته زهرة وتمكنت من تعليمه في يومين فقط كيفية كتابة الرسائل بالشفرة من الكتاب المقدس، بحيث يتم تجميع العبارات بأشكال مختلفة بطريقة حسابية، وكانت طريقة ناجحة. الحبر السري فجرت أجهزة الأمن المصرية المفاجأة التي تكمن في قطعتي «بودي» حيث تبين أنه باختبار مستخلص القطعتين في الماء المقطر تبين وجود رواسب ملحية لا تستخدم في مكونات التصنيع، وبتحليل تلك الرواسب على جهاز الميكروسكوب الإلكتروني الماسح تبين وجود جميع العناصر المكونة للحبر السري المستخدم في التراسل السري، وقد بقت تجربته وإظهاره بمظهر خاص. وأرفقت نتيجة التجارب مع زجاجة سعة 50 سم بها الرواسب الملحية المتبقية من نتيجة الفحص، أما باقي الملابس الداخلية فقد تبين عدم وجود أي رواسب سرية بطريقة التشبع بها... وتغيرت المفاهيم بعد هذه النتيجة المذهلة وأخذ التحقيق منحى جديدا في هذه القضية الخطيرة عندما بدأت نيابة أمن الدولة في محاصرة عماد بما آل إليه نتائج التقرير. أسئلة متنوعة وجهت النيابة أسئلة عدة للجاسوسين عماد إسماعيل وعزام، حيث سألت النيابة عماد: من أين حصلت على الملابس النسائية التي عثر عليها بمسكنك وفي حضورك؟ فأجاب: الملابس التي كانت موجودة عندي في البيت عبارة عن «كلوتات» حريمي أنا كنت واخداها من مصنع «سيجاف» وأن زهرة أعطتني كيسا فيه كلوتات وادتني تي شيرتات ليَّه ولزمايلي، وكان فيهم بلوزة حريمي على هيئة «بودي» لونه فيراني، وقالت لي: إن الحاجات دي هدية لأختي، وطلبت مني أخلي حاجة منهم وأحتفظ بيهم على أساس أنها من ريحتها، ولما جيت وزعت الكلوتات البيضة والسمني على أختي وأخت صاحبي وديع. وعند سؤاله: من أين حصلت على قطعتي الملابس الحريمي ذات اللون الأبيض «البديهات» التي عثر عليها ضمن المضبوطات التي كانت بمسكنك؟ تجنيد عماد أحمد بكر - محامي عماد إسماعيل - ذكر في حوار أجرته «الراي» إبان المحاكمة أن النيابة استندت إلى صور شخصية للأشخاص الذين قابلهم عماد وخصوصا ضابط الموساد الذي التقاه في الأردن وكان عماد تعرف إليه باسم مستعار، ويسرد المحامي بكر كيفية استدراج الموساد لعماد، قائلا: عماد كان يعمل في شركة «إيفرون» الأميركية التي لها فرع في العاشر من رمضان في مصر وفرع آخر في إسرائيل وهي شركة متخصصة في إنتاج الملابس الداخلية الحريمي، وكان يتم تبادل العمالة للتدريب في البلدين وبالتالي سافر إلى إسرائيل أربعة أفواج من العمالة وكان عماد في الفوج الثالث. وتابع: عماد عندما ذهب إلى إسرائيل تخلف عن العودة مع الفوج وعاد مع الفوج الرابع، وبهذا مكث عماد 5 أسابيع وكانت كافية ليتعرف على زهرة جريس ويتفق معها على الزواج، وفي إحدى مرات لقائه مع زهرة مارس معها الجنس في سيارتها وكانت تقف وراءهما سيارة أخرى تصورهما وتسجل حوارهما، وسألته عن «العاشر من رمضان» والمصانع الموجودة فيها والكميات التي تنتجها، وسألته عن دخله ودخول الموظفين في مصر وعن الحراسة التي توضع على هذه المصانع، وهل هم من الشرطة أم من جهة أخرى، الأمور، وانتهى هذا اللقاء الساخن في السيارة بطرقات من أحد رجال الأمن الإسرائيليين على شباك السيارة، وكان الغرض من ذلك أن يعلم الإسرائيليون أنهم يتابعونه. عندما عاد إلى مصر ظلت زهرة على اتصال به وأبلغته في إحدى المرات بأنها ستحضر إلى مصر هي وصديقة لها، وبالفعل قضت 4 أيام في القاهرة التقيتا خلالها مع عماد وعرفتاه على «عزام عزام»، وبعدما فسخ عماد عقده مع شركته في «العاشر من رمضان» دعته زهرة للقاء في الأردن للزواج هناك، وحينما تقابلا في عمان تحججت زهرة بأنها خرجت من إسرائيل من دون أن توثق الأوراق المطلوبة فتركته في عمان وعادت إلى إسرائيل ثم رجعت إليه وبصحبتها شخص ادعت أنه صاحب المصنع الذي سيعمل فيه عماد، واتضح بعد ذلك أنه «ضابط موساد»، ثم اتفقوا على أن يعود عماد إلى مصر للحصول على تأشيرة للسفر إلى المجر، وعندما حاول عماد استخراج التأشيرة من مصر لاحظ المسؤولون عن ذلك أنه سافر من قبل إلى إسرائيل، فطلبوا منه أن يذهب إلى الأمن القومي. توقيف عماد في جهاز الأمن القومي قالوا لعماد إن الأمر لا يخصهم فذهب إلى المخابرات الحربية في الإسكندرية وقابله أحد الضابط هناك وبعدما حكى له عماد ما حدث معه في شأن طلب التأشيرة قال له الضابط: اترك جواز سفرك ولتحضر إلينا غدا، وعندما ذهب إلى مكتب المخابرات في اليوم التالي طلب منه الضابط أن يكتب كل ما حدث له من لحظة وصوله إلى إسرائيل وحتى هذا التوقيت، وبالفعل نفذ عماد ما طلب منه ـ حسب تأكيدات المحامي بكر ـ وبعد ساعات من كتابة الأوراق فوجئ عماد بتوقيفه، وإرساله من الإسكندرية «220 كيلو متر شمال غرب القاهرة» إلى نيابة أمن الدولة في مصر الجديدة، وتم توقيف عزام عزام بعد القبض على عماد بنحو 15 يوما. توقيف عزام عزام أما توقيف عزام عزام فجاء عندما ورد اسمه في التحقيقات التي قال فيها عماد إنه تعرف على عزام في إسرائيل وهناك أعطاه مجموعة من الملابس الداخلية الحريمي وبتحليل الملابس تبين أن بها حبرا سريا لكنه لم يستعمل. وتظهر ملامح خطيرة لاعترافات عماد إسماعيل، وخاصة تلك التي تخص السياحة في مصر حيث قال: في أحد الأيام كانت «منى شواهنة» و«زهرة» معي بفندق فلسطين وبدأنا في الحوار حول نشاط الشرطة، وسألتني «زهرة» عن عدد رجال الشرطة في الفنادق وأد إيه من الشرطة؟ فقلت لها: معرفش عنهم أي حاجة لأن فيه ناس في الفنادق نفسها تبع الشرطة ناس أمن الفندق، وكمان سألتني عن مواعيد تغيير الورديان؟ وزهرة قبل ما تيجي مصر في الرحلة دي كانت كلمتني في التليفون بعد حادثة فندق أوروبا، وقالت لي إنها عايزة تلغي الحجز بتاعها لأنها خايفة، فقلت لها دي حادثة عادية بتحصل في أي مكان زي اللي حصلت في القدس، وسألتني عن تأثير الحادثة دي على السياحة والأجانب في مصر؟ فقلت لها ملهاش أي تأثير، وسألته: لي السياح لسه بينزلوا مصر بعد الحادثة دي؟ قلت لها أيوه، وسألتني عن الإجراءات الأمنية المتبعة مع الراغبين في دخول إسرائيل؟ عماد تجاهل عمله مع الموساد دخل عماد دائرة حصار أخرى لا يجد فيها متنفسا سوى الاعترافات بجزء من الحقيقة عندما واجهته النيابة بأنه لم يذكر للجهات الأمنية أمرا بقوله بالعمل مع جهاز المخابرات الإسرائيلية، فاعترف بأنه أخفى هذه الحقيقة بسبب مخاوفه من السجن... وسألته النيابة: ما الذي دعا منى أحمد شواهنة أن تقرر لك أن ميكي باغوث رئيسها في المخابرات؟ فأجاب عماد: هي قالت لي إنه هيبقى المسؤول بتاعي في الشغل بتاع المخابرات وقالت لي إن هو رئيسها في الشغل ده كمان. وسألته النيابة: هل حددت لك منى وظائف وأماكن عملائهم في مصر؟ فأجاب عماد: منى قالت: إن المخابرات الإسرائيلية ليها ناس كثير في مصر والجهات الأمنية المصرية متعرفش عنهم حاجة وقالت لي إنها هتعرفني على بعضهم، وأن شغلي في مصر هيبقى من خلال الناس، فأنا سألتها: وانتي تعرفيهم إزاي؟ فقالت لي إنهم كانوا زيي في إسرائيل واشتغلوا مع المخابرات الإسرائيلية. مفاجآت وحقائق دامغة وعندما سألت النيابة عماد: متى شعرت أن زهرة يوسف جريس على علم بما عرضته عليك منى أحمد شواهنة بشأن تعاونك مع المخابرات الإسرائيلية؟ عماد: أنا لما قابلت شادية في مصر وقلت لها تقول لزهرة ماتتصلش بيه تاني بعدها زهرة كلمتني في التليفون وقالت لي إن أنا مقدرش أبعد عنهم، لأن الكلام اللي بيحصل بيني وبين منى مش سهل وأن أنا لو حاولت أنسى الموضوع ده منى ممكن تسجني في مصر وهي موجودة في إسرائيل، وقالت لي أنا هقعد فترة عشان اطمنك، وأريحك ومش هتصل بيك، إنما بعد فترة أرجع أكلمك تاني ومطلوب مني أنفذ التعليمات اللي هتقولها ليه بعد كده، وقالت لي كمان في المكالمة دي إنها ممكن تعرف عني أي حاجة في مصر. كانت صفحات التحقيقات مليئة بالمفاجآت والحقائق الدامغة على أن مصر ستظل مستهدفة من قبل إسرائيل، وأبلغ ما جاء في التحقيقات على لسان عماد إسماعيل عندما سألته زهرة عن بنيامين نتنياهو فقال لها: إنه سيفسد السلام، فردت عليه قائلة: بالعكس إن نتنياهو هو الذي سيبني لنا إسرائيل الكبرى. وقائع المحاكمة بعد انتهاء تحقيقات النيابة مع شبكة التجسس ضد مصر جاءت المحاكمة التي بدأت في 24 أبريل 1997، لكنها أرجأت إلى 18 مايو، حيث غاب عن المحاكمة محامي عماد عبدالحليم إسماعيل ـ شريك عزام في التجسس ـ أما محامي عزام عزام وهو المحامي فريد الديب فتلقى رسالة موقعة من 12 محاميا آخر، أعلنوا فيها أن مرافعة الديب للدفاع عن عزام هي خيانة للوطن، وتلويث للسمعة النضالية لنقابة المحامين المصري، وطالبته الرسالة بالانضمام للحملة ضد الجاسوس وأن النقابة قد تتخذإجراءات عقابية بحقه إذا أكمل دفاعه. في جلسة 18 مايو 1997 طلب ممثل نقابة المحامين من المحكمة إعفاء الديب من مهامه الدفاعية، معلنة أن «عزام عزام» تآمر ضد مصلحة الأمة، والمحكمة رفضت الطلب تحت حجة أن لكل متهم الحق بممثل قانوني، وقام الادعاء أيضا بالإعلان عن أن «عزام عزام» كان عميلا مباشرا للموساد الإسرائيلي ما يقود إلى حكم الإعدام. إدانة في يوليو 1997 دين عزام عزام بتهمة التجسس ونقل معلومات عن المنشآت الصناعية المصرية إلى إسرائيل، وحكم عليه بالسجن «15» عاما مع الاشغال الشاقة، وحكم على المتهم الآخر عماد عبدالحكيم إسماعيل بـ «25» عاما، رفضت إسرائيل الحكم، وأعلنت أنه لا علاقة لعزام عزام بأجهزتها الأمنية وأن لا صفة غير مدنية له في مصر. الديب هاجم عماد ودافع عن عزام أحمد بكر ـ صفقة الإفراج عن عزام في العام 2004 أوفد رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك آرييل شارون رئيس الشاباك آفي داختر إلى مصر، وبعد مفاوضات مع المسؤولين المصريين، ووفق صفقة تمت بين الجانب المصري والجانب الإسرائيلي تم الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، مقابل إطلاق 6 طلبة مصريين كانت القوات الإسرائيلية اعتقلتهم داخل الحدود الفلسطينية المحتلة ووجهت إليهم تهمة الدخول غير الشرعي للبلاد والتحضير لعمليات فدائية داخل إسرائيل، وتمت المبادلة على الرغم من أن المطالبة بالإفراج عن عزام من الجانب الإسرائيلي كانت عديدة، لكن إسرائيل اعتقلت الطلبة المصريين وهي تعرف أنهم «صيد ثمين» سيدفع الحكومة المصرية على الموافقة على الإفراج عن «عزام عزام» الذين رفضوا الإفراج عنه من قبل، وكان الجانب المصري يهيئ نفسه لصفقة مبادلة أكثر لكن إسرائيل أفسدت الأمر. وبعد الإفراج عن الجاسوس عزام عزام أخذ الأخير يصرخ في وسائل الإعلام مؤكدا امتنانه الشديد للحكومة الإسرائيلية، وقال لأرييل شارون «أنا أحبك، لقد أخبرت أخي أني إن لم أخرج من السجن في عهدك فلن أخرج أبدا بعدك»...