من أشهر المحاكمات التي شغلت الرأي العام في مصر وأثارت جدلا وسخطا وغضبا وخلافات داخلها وخارجها محاكمة قتلة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، الذي اغتاله متطرفون في صباح السادس من أكتوبر 1981، حيث بدأت محاكمة قتلة السادات، والتي ضمت 24 متهما قدموا إلى محاكمة عسكرية وتبرع بالدفاع فيها أكثر من 30 محاميا كان من بينهم أقباط ويساريون. جاء في مذكرة إدارة المدعي العام العسكري - بحسب النصوص الرسمية-: إنه في حوالى الساعة 12.30 ظهر يوم الثلاثاء 6 أكتوبر 1981، وأثناء مرور العربات «الكراز» قاطرات المدفع 130مم وسط وأمام المقصورة الرئيسية للعرض العسكري توقفت إحدى هذه العربات لتنفيذ مخطط إجرامي بواسطة «4» أفراد من راكبيها، يستهدفون اغتيال الرئيس محمد أنور السادات،، وهم: الملازم أول خالد أحمد شوقي الإسلامبولي، والملازم أول سابقا عبدالحميد عبدالسلام ـ كان ضابطا عاملا بالسلاح الجوي - والملازم أول احتياطي مهندس عطا طايل حميدة رحيل - من مركز تدريب المهندسين - والرقيب متطوع حسين عباس محمد ـ من قوة الدفاع الشعبي: وتم التنفيذ على النحو التالي: ماذا حدث؟ بدأ كل من عبدالحميد عبدالسلام وعطا طايل بإلقاء قنبلتين يدويتين دفاعيتين من فوق العربة، وفي الوقت نفسه أسرع خالد الإسلامبولي بالنزول من الكابينة وألقى قنبلة ثم أسرع بالعودة مرة أخرى إلى الكابينة ليأخذ الرشاش متجها للمنصة الرئيسية، وقفز عبدالحميد للأرض متجها للمنصة الرئيسية، حاملا بندقية آلية، في الوقت الذي كان فيه كل من عطا طايل وحسين عباس يطلقان من فوق العربة دفعة من نيران بندقيتيهما الآليتين في اتجاه منتصف تلك المنصة، ثم قفزا من السيارة إلى الأرض، وأسرعا بدورهما للمنصة، وأفرغ هؤلاء الأربعة ذخائر أسلحتهم وهي الرشاش القصير والبنادق الآلية الثلاثة من الاتصال القريب، سواء بالمواجهة أو من الأجناب في تلك المنصة الرئيسية، مع التركيز على منتصف الصف الأول - موضع الرئيس الراحل، ما أدى لاغتياله ـ وكذلك مصرع «6» آخرين، وألقى خالد الإسلامبولي قنبلة يدوية دفاعية رابعة وقعت على الصف الأول من المنصة، ولم تنفجر، ولو انفجرت لكانت الخسائر فادحة. محاكمة عسكرية في نوفمبر العام 1981 بدأت محاكمة قتلة السادات، وكانوا «24» متهما أحيلوا على محاكمة عسكرية، تبرع بالدفاع فيها أكثر من «30» محاميا، بينهم أقباط ويساريون، وكان عبدالحليم مندور هو رئيس هيئة الدفاع في قضية اغتيال السادات، وعندما بدأت المحاكمة وجهت المحكمة سؤالا إلى خالد الإسلامبولي: هل أنت مذنب أم غير مذنب؟ فأجاب في زهو: «مذنب، وسببت هذه الإجابة ورطة للدفاع، لأن ذلك يعني أن المحاكمة انتهت، ولأن المتهمين لم يكونوا يعرفون أن الاتهام الموجه إليهم ليس قتل السادات وحده، وإنما قتل جميع من قتلوا في المنصة والشروع في قتل الباقين، ولذلك أقنع الدفاع المتهمين بتغيير إجاباتهم على ذلك السؤال، فقال خالد ردا على السؤال نفسه: «قتلت السادات لكني غير مذنب». وكرر عبدالحميد عبد السلام طايل، وحسين عباس الإجابة نفسها بالنص، أما محمد عبدالسلام فرج فقال من دون إشارة إلى قتل السادات إنه غير مذنب، وهكذا أجرى الدفاع عملية إنعاش للمحاكمة، بعد أن أوشكت على الانتهاء من أول جلسة، وكان التمسك باعترافات ممدوح أبو جبل هي المحاولة لإنعاش هذ القضية، وممدوح أبوجبل هو الذي أمد قتلة السادات بإبر ضرب النار المستخدمة في حادث المنصة، وكانت خطة الاغتيال تشمل الجالسين على يمين ويسار الرئيس المغدور، وذلك ما أكده ممدوح أبوجبل، وتمسك بها الادعاء ليعظم الجريمة على المتهمين، ولكن سير المحاكمة أدى إلى تبادل المواقع بين الادعاء والدفاع، لذلك كان من الطبيعي أن يحاول الدفاع استخدام التهمة التي كان يرفضها ليخفف عبء الجريمة عن موكليه في الدفع ببطلان الإجراءات في القضية، وهو دفع يبدو شكليا لكنه حاسم في الكثير من القضايا. أما القاضي في المحكمة، فكان اللواء سمير فاضل، وقال عنه رئيس هيئة الدفاع في قضية اغتيال السادات عبدالحليم مندور: «إن اللواء سمير فاضل كان قاضيا فاضلا، وأن أي قاض آخر في مكانه وفي ظروف مقتل رئيس الجمهورية لم يكن ممكنا أن يعطينا أكثر مما أعطانا سمير فاضل، حيث كنا نترافع كما نشاء وبما نشاء، وكل ما في الأمر أن المحكمة كانت في منطقة عسكرية - نائية داخل الجبل - وكنا نضطر لركوب سيارة عسكرية خاصة للدخول بها إلى حيث المحكمة من حيث الضمانات لم نمنع من أن نقول أي شيء، لكن لم يوافق القاضي على مسألة إقامة الحد على رئيس الجمهورية». وشارك المحامون ـ آنذاك ـ في الدفاع عن قتلة السادات في القضية العسكرية، وذلك ما قاله محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات - وكان كثير من هؤلاء المحامين جاءوا ليصفوا خلافاتهم السياسية مع السادات - وكنا نسمع في المحكمة دفاعا لا ادعاء ضد السادات، وليس دفاعا عنا. خبايا المحاكمة وكتب المحامي الراحل شوقي خالد في كتابه «محاكمة فرعون... خبايا محاكمة قتلة السادات» قائلا:«طالبت النيابة بإصرار بأن تكون ضربة البداية سماع شهود الإثبات فورا، لكن الدفاع تمسك بطرح العديد من الأمور الشكلية أولا: مثل هل المحكمة المنعقدة محكمة مختصة؟ وهل قرار الإحالة على المحكمة سليم؟ وهل صدر القرار من جهة محايدة؟ وهل تمت التحقيقات بصورة قانونية؟ وهكذا... وهذه الأسئلة هي مفاتيح جيدة لأي دفاع، لأنها تبحث في أساس العدالة. واستطرد شوقي خالد قائلا:«إن أي جناية عسكرية - تطبيقا للقانون - تقضي بوجود أمر بالإحالة، والقانون يخص رئيس الجمهورية بالإحالة والتصديق، ويعطيه الحق في تفويض وزير الدفاع، ومن يليه في الرتبة - في الأمرين ـ إلا عند التصديق على أحكام الإعدام، وطرد الضباط من الخدمة العسكرية، وفي هذه القضية كان وزير الدفاع هو الآمر بالإحالة، وكان رئيس الجمهورية هو الضابط المصري، وكان هذا الإجراء مثار اعتراض من المحامين، إذ إن وزير الدفاع كان خصما في الدعوى وطرفا فيها، لأنه - حسب قرار الاتهام - كان مقصودا بالقتل، وقدم ضمن أحراز القضية ما يفيد تعرضه لرصاص القتلة «الكاب الخاص به»، وبطاقة دعوى لحضور الاحتفال كذلك فإن رئيس الجمهورية كان أيضا طرفا وخصما في الدعوى، لأنه كان مقصودا بالقتل حسب قرار الاتهام. شهود الإثبات وبعد استجواب الجناة الأربعة «الملازم أول خالد أحمد شوقي الإسلامبولي «24 سنة» والضابط السابق بالدفاع الجوي عبدالحليم عبدالعال -28 سنة وملازم أول مهندس - احتياطي - عطا طايل حميدة رحيل - 26 سنة- ورقيب متطوع من قوة الدفاع الشعبي حسين عباس محمد « 27 سنة» - واستدعت المحكمة شهود الإثبات في القضية رقم «7» لسنة 1981 جنايات عسكرية أمن دولة عليا. تم استدعاء عميد أركان حرب أحمد متولي الزهيري، وعند سؤاله بإمكانية تحديد عدد القنابل التي قيل إنها انفجرت في مسرح الحادث أجاب: رأيت «3» قنابل يدوية تُلقى تباعا انفجرت منها اثنتان، وفاتني أن أذكر أثناء الإدلاء بشهادتي أني وجدت بالمنصة الرئيسية قنبلة يدوية لم تنفجر بجوار رئيس هيئة التنظيم والإدارة، وأسرعت بإبعاده عنها، وبسؤاله: هل عاينت هذه القنبلة للتأكد من كونها هجومية أم دفاعية؟ أجاب:«هذه القنابل من القنابل الهجومية والقنبلة الكاذبة لم يسمح لي الوقت بمعاينتها» وعندما سئل: عن أي أساس يقطع بأن القنابل هجومية؟ أجاب:«نحن العسكريين نعلم بذلك» وبسؤاله عن لون القنبلة التي قدرت أنها كاذبة ولم تنفجر؟! أجاب إنها كانت تميل للون الأحمر ومغلفة بشريط. أما شاهد الإثبات الثاني فكان العقيد بإدارة المخابرات الحربية محمد فؤاد حسين، الذي كان ضمن من تولوا التحقيق مع خالد الإسلامبولي وزملائه في غرفة الإنعاش في المستشفى. وعندما سئل - بحسب نصوص التحقيقات الرسمية - إذا ما كان أفراد المخابرات الذين يحرسون المنصة يحملون أسلحة نارية؟ أجاب: مصرحا لأفراد... قائلا: نعم كل في مكانه، وسئل ما نوع تسليحهم؟ فأجاب طبنجة. وعن نوعها؟ أجاب: أنواع مختلفة، وعندما سئل هل أطلق أفراد المخابرات النيران من سلاحهم؟ أجاب لحظة القبض على المتهمين! وبسؤال: هل كان في إمكان المتهمين القضاء على جميع من بالمنصة؟ أجاب: نعم لولا قدر الله ولطفه، وعندما سئل عن الوقت الذي استغرقه المتهمون في الانسحاب، وهل كان ذلك بعد أن فرغت أسلحتهم من الذخيرة؟ أجاب: الأسلحة كانت بها ذخيرة، وعندما سئل: متى تم إطلاق النار عليهم؟ فأجاب: بعد انسحابهم من أمام المنصة. وأكملت المحكمة سؤالها العقيد محمد فؤاد حسين عما إذا كانوا ألقوا السلاح بعد مغادرتهم مكان المنصة، فأجاب: «بعضهم ألقى السلاح، وبه ذخيرة»! وبسؤاله: هل كان بالسلاح ذخيرة وقت إلقائهم له؟ رد: نعم، وعندما سئل هل شاهدت القنبلة التي لم تنفجر؟ قال نعم، وبالسؤال عن نوعها فقال «إف. وان» لونها أصفر، وبسؤاله عما إذا كان المتهمون سلموا أنفسهم أم انسحبوا وقاوموا؟ قال: هم انسحبوا في اتجاه شارع «رابعة العدوية» وأطلق عليهم الرصاص، ونفدت ذخيرتهم وتم توقيفهم، وبسؤاله هل كان معهم ذخيرة؟ أجاب: كانت بعض البنادق بها ذخيرة والبعض الآخر لم يكن به ذخيرة بدليل إصابة بعض ضباط المخابرات أثناء انسحاب المتهمين، وبسؤاله عما إذا كانت القنبلة دفاعية أم هجومية؟ أجاب: دفاعية. وهنا ملاحظتان تنبه إليهما الدفاع، وكان يجب تسجيلهما والالتفات إليهما: الأولى في أقوال الشاهد الأول، الذي قال: إن القنبلة حمراء ملفوفة بشريط، والثاني قال إنها صفراء، والملاحظة الثانية أن الشاهد الأول قال: إن القنبلة هجومية، فيما قال الثاني إنها دفاعية. أما الشاهد الثالث، وهو قائد عربة القتلة. الجندي عصام عبدالحميد فقال:«دخلنا إلى أرض العرض وقبل المنصة بنحو نصف متر، بصّيت لقيت التلات عربيات المتأخرين شاورت لهم يبقوا في الحذا... ولقيت الضابط خالد أخذ الرشاش من جنبي وحطه على رجليه وهددني. وقال لي: قف، وإذا ما وقفتش هاضربك بالنار، ووقفت وفتح الباب ولقيت الدنيا مرتبكة، وعندما سألته النيابة: ما سبب عدم نزع كتلة الترباس من الرشاش بالرغم من صدور الأوامر بنزعها؟ فأجاب الجندي: إن الضابط خالد قال لي: ماتنزعهاش أحسن تضيع وتتحاكم. وسألت النيابة الجندي عصام عبدالحميد: هل الترباس به إبرة ضرب النار؟ فقال: نعم، وبسؤاله... قرر أن خالد أخذ منه السلاح فلماذا سلمه له وكيف كان ذلك؟ رد قائلا: السلاح كان بيني وبينه، وفي لحظة ما كنت باشاور للعربات الأخرى لتسير في الحذا أخذه من جنبي، والعربيات كانت متأخرة عن اللي في الصف، أما بسؤاله إذا كان يعلم أن الرشاش من دون ذخيرة فلماذا خاف منه؟ أجاب أنا خفت من الحاجة الصفرا اللي في إيده لأني كنت أول مرة أشوفها. التخطيط للحادث أما الجندي صبحي عبدالمقصود محمود، فقال: إنه يوم «5» من أكتوبر جمعوا السلاح، وخلوا الثلاثة دول خدمة عليه «جمال وعزت وأحمد»، وهذه هي الأسماء الحركية التي منحها خالد لعبدالحميد عبدالسلام، وحسين عباس وعطا طايل، واحنا نمنا على العربيات، وهم ناموا في الجبهة والصبح استلمنا السلاح وفتشنا عليه فوجدنا فيه إبر ضرب النار. وفي مدينة نصر «شرق القاهرة» الضابط خالد قال: إنزلوا اعملوا صيانة، وهو كان متصور يقعد مع الضباط، ولكنه لم يجلس معاهم وراح قاعد في كابينة العربية، وكان الرئيس وضع إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول عند النصب التذكاري، وكان الضابط خالد فاتح الراديو، وأثناء قراءة الرئيس الفاتحة على روح الشهداء قال: «اقرأوا الفاتحة على روح الشهداء يا رجالة»، وبعدين جه دورنا ومشينا ولما وصلنا عند المنصة أحمد رمى حاجة صفراء طلعها من سترته وعزت برضه.