رجائي عطية آراء منصفين من كتّاب الغرب تذكّرت وأنا أتابع، قارئاً أو كاتباً، حملات الإساءة للإسلام، ما كتبه الأستاذ العقاد فى كتابه «الإسلام دعوة عالمية» عن آراء كتّاب الغرب فى نبى الإسلام وعرضه عرضاً شافياً بصيراً كتاب «القادة الدينيين» Religious leaders من تأليف الأخوين هنرى توماس ودانلى توماس.. بدآ ترجمتهما لنبى الإسلام قائلين: «فى القرن السابع، حين بدا على الدنيا أنها أصيبت بالجفاف، وحين فقدت اليهودية مولدها واختلطت المسيحية بموروثات الأمم الرومانية البربرية، نبع فى المشرق فجأة ينبوع صافٍ من الإيمان ارتوى منه نصف العالم... وإن حكمة الله لعجيبة ذات قوة فى قضائها العجيب، فإن هذا الينبوع الصافى قد انبثق من أجدب بقعة بين بقاع الأرض قاطبة: صحراء الجزيرة العربية. وتروى الأخبار المأثورة كثيراً من المعجزات والخوارق التى صحبت مولد محمد وطفولته، ولكن محمداً لم يذكر هذه المعجزات، ولم يذكر قط معجزة متصلة بشخصه أو برسالته، لأنه لم يأتِ كما قال بغير معجزة واحدة هى معجزة القرآن الذى تلقّاه من وحى الله.. وقد جاء بالدين ليدعو إلى ملة إبراهيم وموسى والمسيح على هدى جديد». يصف المؤلفان نبى الإسلام بأنه «كان محباً لإخوته من بنى الإنسان، بسيطاً فى معيشته، يأكل خبز الشعير ويخدم نفسه رغم أنه قد اجتمعت له أسباب الثراء، ويتورع أن يضرب أحداً أو يسوءه بكلمة تقريع.. ولم يغتفر لنفسه أنه أعرض ذات مرة عن سائل ضرير (يقصد ما نزلت بشأنه سورة عبس وما بذله النبى عليه السلام من سعى حثيث بحثاً عن هذا الضرير ليعتذر إليه ويراضيه).. وقد حاول أن يقابل كراهة أعدائه بالحب لأنه يعلّم الناس أن أحب الخلق إلى الله أحبهم إلى خلق الله، ولكن عبّاد الأوثان بمكة لم يستمعوا لدعوة الحكمة والمحبة، ونظروا إليه فلم يفهموا من قوله ولا عمله إلا أنه ثائر عليهم يسفّه أحلامهم ويحطم أصنامهم، فصادروه وتوعدوه واعتدوا على حريته وأوشكوا أن يعتدوا على حياته. إن صاحب الدعوة الإسلامية لم يبدأ المخالفين له بالحرب، بل هم الذين بدأوه بها واضطروه إليها، وكان من خلائقه المعروفة أن يرحم الضعيف، ويأمر بالرحمة، ويرفق بالحيوان، وينهى عن التحريش بين البهائم، ويدعو أتباعه إلى إدخال السرور على قلوب المحزونين، وهو القائل: أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سروراً أو تقضى عنه ديناً أو تطعمه خبزاً... وهو القائل: فكوا العانى وأجيبوا الداعى». أشار المؤلفان إلى الخبر الذى ورد عن وقوف النبى لجنازة اليهودى، وإلى الأخبار الكثيرة التى وردت عن أدبه عليه السلام فى معاملة الضعفاء والأتباع، ومعاملة اليتامى والأيامى فقالا: «إن هذا الأدب هو أدب النبوة الإسلامية فى لبابها، وليس أدب القتال عنواناً لها كما حسب بعض الناقدين للإسلام على السماع». أما الجهاد، فهو فريضة يؤمر بها المسلم ويتعلم معها من نبيه أن «أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه». يقول هنرى ودانلى توماس فى ختام السيرة: «الإسلام لا يخاصم الديانات الأخرى، بل هو دين يجمع ويؤلف، ولا يطرد أو يستثنى، ومن أدب المسلم أن يحترم عقائد غيره، وأن يؤمن بأن العالم أمة واحدة تدين لإله واحد، هو رب العالمين». عبقرية محمد أورد الأستاذ العقاد فى كتابه الضافى «عبقرية محمد» مقارنة عقدها العالم الأوروبى الدكتور ماركس دودز Marcus Dodds فى كتابه «محمد وبوذا والمسيح» Mohammed، Budda and Christ فى هذه المقارنة يقول العالم الأوروبى: «أليس محمد نبياً على وجه من الوجوه؟» ثم أجاب قائلاً: «إنه على اليقين لصاحب فضيلتين من فضائل الأنبياء: فقـد عـرف حقيقة عن الله لم يعرفها الناس من حوله، وتمكنت من نفسه نزعة باطنية لا تقاوم لنشر تلك الحقيقة، وإنه لخليق فى هذه الفضيلة أن يسامى أوفر الأنبياء شجاعة وبطولة بين بنى إسرائيل، لأنه جازف بحياته فى سبيل الحق، وصبر على الإيذاء يوماً بعد يوم عدة سنين، وقابل النفى والحرمان والضغينة، وفقد مودة الأصحاب بغير مبالاة، فصابر على الجملة قصارى ما يصبر عليه إنسان دون الموت الذى نجا منه بالهجرة، ودأب مع هذا جميعه على بثّ رسالته غير قادر على إسكاته وعدٌ ولا وعيد ولا إغراء.. وربما اهتدى إلى التوحيد أناس آخرون بين عبّاد الأوثان، إلا أن أحداً آخر غير محمد لم يُقم فى العالم مثل ما أقام من إيمان بالوحدانية دائم مكين، وما أتيح له ذلك إلا لمضاء عزمه أن يحمل الآخرين على الإيمان. فإذا سأل سائل: ما الذى دفع بمحمد إلى إقناع غيره حيث رضى الموحدون بعبادة العزلة؟ فلا مناص لنا أن نُسلِّم أنه هو العمق والقوة فى إيمانه بصدق ما دعا إليه». نافح الأستاذ العقاد عن الإسلام ورسوله بقوة وحجة، وأخرج للمكتبة الإسلامية باقة من أروع الكتب والمؤلفات فى بيان حقيقة الدين وفضل وكرامة رسوله الأمين. كتب كتاباً رائعاً بعنوان: «مطلع النور فى طوالع البعثة المحمدية»، وكتب مقالات عديدة متفرقة عن النبوة المحمدية، وكتب «الفلسفة القرآنية»، و«الإنسان فى القرآن»، وكتب «التفكير فريضة إسلامية»، وكتب «الديمقراطية فى الإسلام»، وكتب «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه»، وكتب «المرأة فى القرآن الكريم»، وكتب «الإسلام فى القرن العشرين»، وكتب «أثر العرب والإسلام فى الحضارة الأوروبية»، وكتب «الإسلام دعوة عالمية»، وكتب «الإسلام والحضارة الإنسانية». ما كتبه الأستاذ العقاد عن الإسلام ورسوله، روائع بحق، كانت ولا تزال قبلة القصَّاد إلى المعرفة، وكانت ولا تزال محل تقدير وإكبار من العارفين الذين أعطوا هذه الدرر حقها من التقدير والالتفات والعناية. شفّت مؤلفات الأستاذ العقاد وكتاباته الإسلامية عن إخلاصه، وعن قوة عارضته، وعن إلمامه الواسع العريض، وعن إحاطته الشاملة بالمبادئ والقيم الإسلامية، وعن بصر نافذ وبصيرة شاملة ورؤية متكاملة وفهم عميق، وكوّنت كتاباته رؤية متكاملة تعرضت لكافة جوانب المنظور الإسلامى بنظر ثاقب واستنارة واضحة. هذا رجل واحد قام بما يُعيى كتيبة من الرجال، وأنصف الإسلام ورسوله من هجمات الجهَّال وأضاليل المغرضين، وجلَّى وجه الإسلام الصبوح للعالمين، فاستحق أن يكون سادن الإسلام. الحقيقة التى يراها المنصف مسلماً كان أو غير مسلم والحقيقة التى يراها المنصف مسلماً كان أو غير مسلم أن رسول القرآن عليه السلام قد جاءه الإغراء الذى أشار إليه العالم الأوروبى فى أحوال كثيرة فما بدّل وما تغيّر. جاءه الإغراء وهو داعٍ مُهَدَّد فى سربه، وجاءه وهو عزيز الشأن بين المؤمنين بدعوته، فما حفل بالإغراء وهو بعيد من مقصده ولا حفل له وهو واصل إليه! هل وعينا؟! فهل وعينا أن صورة المسلم وسلوكه، هما أساس وآية رسالة الإسلام إلى الدنيا، والتفتنا إلى أمثال المؤلفات المكتوبة أصلاً بلغات الغرب ولمؤلفين غربيين، والتفتت إليها الهيئات الإسلامية التى تملك المال والإمكانيات، لتتدبر الوسائل لبثّ هذه الكتابات إلى أوروبا والأمريكتين بدلاً من الاحتجاجات الصاخبة المتشنجة التى سرعان ما تتلاشى بلا طحن ويطمرها النسيان، بينما فى كتاباتهم بأقلام المنصفين منهم ما يصد ويُفحم حملات الإساءة والكراهية، ويُجلى الصورة الصحيحة المنصفة للرسول وللإسلام الذى يعم المعمورة ديناً هادياً للعالمين إلى يوم الدين!