مكتب المحامي ايمن احمد الحسون

الإسلام فى كتابات منصفة (2 - 3)

رجائي عطية مؤلفات الغرب استعرضت كارين أرمسترونج بعض مؤلفات الغرب الغارقة فى التجنى والزيف والوهم، حيث لم تبدأ محاولات التخلص منه إلّا مع ترجمة معانى القرآن وتوالى الدراسات التاريخية الموضوعية التى شهد القرن الثامن عشر بعض جهودها الرامية إلى تفهم أكثر للإسلام.. ككتاب «تاريخ المسلمين» لسايمون أوكلى (1708)، وكتاب «أخـلاق الأمـم وروحها» لفرانسوا فولتير (1751)، واستشفاف المستشرق الهولندى يوهان يعقـوب رايسكى (ت 1774) للمسحة الربانية فى حياة محمد ونزول الإسلام، وثناء إدوارد جيبون على عقيدته التوحيدية بكتابه «تدهور وسقوط الإمبراطورية الرومانية»، ومحـاضرة كارلايل «البطل باعتباره نبياً» التى دافع فيها دفاعاً حاراً عن محمد (عليه السلام) منكراً أوهام القـرون الوسطى، وضمَّنها كتابه المعروف عن البطولة والأبطال (1841). ولكن لم تنقطع للأسف زيوف الأوهام القديمة برغم هذه الكتابات الموضوعية، فبقيت تدلى بدلوها فى تأجيج التعصب والكراهية للإسلام، مثلما فعل شاتوبريـان فى كتابـه: «الرحلة من باريس إلى أورشليم ومنها إلى باريس» (1810/1811) الذى بشر فيه بخياله الصليبى بوجوب سيطرة الغرب على العرب أرباب الهمجية والوحشية!! هذا العرق الملبوس الممدود الذى عبر عنه الجنرال اللنبى عام 1917 حين أعلن وهو على أعتاب القدس: «الآن قد اكتملت الحملات الصليبية»!! هذا هو ما كشفته كارين أرمسترونج الراهبة السابقة الباحثة فى تاريخ الأديان فى كتابها الرائع: «سيرة محمد».. ومع موضوعية وروعة ما كتبته إنصافاً للنبى والوحى، ولسيرته ودعوته، فظنى أن أخطر ما فى الكتاب ما كشفته عن قدم أثر الأساطير الغربية فى تشكيل الوجدان الغربى بعامة إزاء الإسلام ورسوله. هذه الأساطير التى تجذرت حتى بات الكثيرون هناك يقبلون الفكر الملبوس والرسومات المسيئة عن الإسلام ورسوله بلا مناقشة، لا ينجو من الوقوع تحت تأثيره المغلوط إلا قليلون قرأوا وتمعنوا وفهموا، بعضهم أفصح كما فعلت، وبعضهم اشترى راحته بالسكوت!! ليست الغاية من استطلاع هذه الإساءات، التى كشفت كارين أرمسترونج جذورها، مقابلة عداء الغرب بعداء مثله. فذلك يجافى الإسلام وقيمه ومبادئه ومثله؛ فضلاً عن أن العداء يفوِّت فرصة البيان والإيضاح والتصحيح. مقصدى أن نفهم الصورة هناك. كيف أنها أوسع كثيراً من رسم مسىء أو شريط فيديو ملبوس، وأن ندرك أن رؤيتها بكل جوانبها، هى الكفيلة بوضع رؤية شاملة، مدروسة لا عشوائية، تواجه هذا التجنى المبعد عن الحقيقة والإنصاف. وسيلة مواجهته الأولى تصحيح صورة وسلوك المسلم ذاته فى عيون الغرب، ومعها خطاب مدروس ومتواصل، بلغتهم ومنطقهم، يخاطب العقل بالحجة والبرهان، ويفوت فرص الإساءة الجاهلة أو المتعمدة، ويبطل موجات الكراهية والشحن ضد الإسلام والمسلمين، ويفتح منافذ لفهم متبادل لا غناء عنه للبشرية فى هذا الزمان، وفى كل زمان! ما بين اليوم والبارحة من الفوارق الكبيرة بين اليوم والبارحة، أنهم كانوا بالأمس يفهمون أبعاد القضية ومساحة العداء للإسلام ورسوله وللمسلمين، ويملكون وسائل وأدوات التصدى لكثير من اللغو الذى حفلت به من قرون كتابات الغرب من افتراءات وخرافات وعداء دفين ضد الإسلام ورسوله مما تغدو معه الرسومات المسيئة كقطرة فى محيط. لم يحصر آباؤنا وأجدادنا أنفسهم فى صراخ أو تظاهر أو ولولة، وإنما استنطقوا مخزون علمهم، وشرعوا أقلامهم بالعربية وبغير العربية لبيان شامل محيط لا يتمحور فى محض رد فعل متشنج أو حتى غير متشنج، وإنما يتسع بفهم وعلم وحجة ليقدم لقراء العربية ولغيرهم بياناً وبحوثاً شافية تعرف بحقيقة الإسلام ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، وتحض المسلم ذاته على أن يكون بسلوكه صورة حقيقية مضيئة للإسلام. وقد رأينا فى كتاب «حياة محمد» للدكتور محمد حسين هيكل صورة لافتة للإحاطة بما كتبه عن الإسلام ورسوله المستشرقون والمبشرون، والمنصفون وغير المنصفين وهم أكثر، ولكتابات كتاب الغرب بعامة، وكيف تصدى بهدوء وعلم وخبرة وحنكة إلى هذه الأضاليل بالإيضاح والتفنيد، وكيف رد هذه السهام الظالمة عن الإسلام ورسوله، وكيف قدم صورة وضيئة تطابق الواقع عن هذا الدين، وعن الرسول المبعوث رحمة وهداية للعالمين، أعانه على ذلك إلمامه بالإنجليزية والفرنسية، ووعيه لمعرفة جذور هذه الضغينة التى يحملها الغرب للإسلام. علو الحناجر على حساب العقول وقادة الاستنارة ظنى أن علو حناجرنا جاء على حساب دور عقولنا. أشعر بالخجل من الحاضر حين أجوب مثلاً فى دوحة الأستاذ العقاد، فأرى حجم وعمق ما قدمه هذا العملاق للإسلام بلا صخب ولا ضجيج ولا انفعال. هل تذكرنا فى ردود فعلنا الصاخبة بلا طحن ماذا فعل العقاد فى كتاب «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه»، وماذا قدم وأبان وأوضح ورد السهام فى كتابه: «ما يقال عن الإسلام»؟!.. فى أكثر من ثلاثين مقالاً، جاب فيها أركان الأرض غرباً وشرقاً، وجنوباً وشمالاً.. فى أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا، واستقصى العشرات من الكتابات هناك عن الإسلام وقرآنه ورسوله.. يقول فى تقديمه للكتاب إن صفحاته مجموعة من المقالات عن الكتب التى ألّفها كتاب الغرب عن الإسلام من شتى وجهات النظر، وإنه اختار الأكثر شيوعاً واعتباراً فى العصر الحديث، ليلخصها ويعقب عليهـا ويناقش ما يحتاج منها للمناقشة، وجمعها فى كتابه «ما يقال عن الإسلام» يبتغى بها المزيد من التعريف بالإسلام والبحث عن حقائقه وأباطيل خصومه، لعلها تغنى طلاب المعرفة من القراء فى الأمم الإسلامية. تناول الأستاذ العقاد فى مقالاته المتنوعة الإسلام والعصر الحديث، والإسلام والثقافة الأفريقية، وأوضح الفارق بين العقيدة الإلهية فى الإسلام وغيره من الأديان، والفارق بين الأديان المغلقة كاليهودية، وبين الأديان المفتوحة أو أديان الدعوة كالإسلام، وأوضاع وقضايا المسلمين السود فى أمريكا، ومفهوم الجهاد فى الإسلام، وأغلاط المبشرين فى نقد القرآن.. وغير ذلك من الموضوعات التى خاضت فيها كتب الغربيين. ليتساءل تساؤلاً فى محله: هل كل هذه الأشتات صادرة عن نية واحدة أو قصد واحد؟ يتوقف العقاد عند هذا السؤال ليقول: إن المهم فى هذه الكتابات هو محك الإخلاص فى كتابتها. فمن هم المخلصون منهم؟ ولماذا يخلصون؟ غاية الإخلاص والمخلصين المخلصون فى توجهاتهم ومعالجاتهم إما طلاب معرفة أو طلاب عقيدة، وقد يجمعهما طلب الحقيقة فى عالم العلم وعالم الضمير، وفيما عدا هؤلاء يندر الإخلاص فى كتابات الذين عرضوا فى الغرب للمسلمين أو لما اعتقدوه أو تعودوه، ولكنهم فى قلة الإخلاص أو سوء النية أنواع ودرجات!.. عن هؤلاء وأولاء دبج الأستاذ العقاد مقالاته بياناً لحقيقة الإسلام ودحضاً لدعاوى المتعصبين والماديين والملحدين والمبشرين الذين لا يقلون عداوة للإسلام عنهم. ظنى أنه فضلاً عن الأثر العميق لهذه البحوث التى كتبها الأستاذ العقاد فى أمم الإسلام، فإن ترجمتهـا إلى اللغات الغربية قمينة بتجلية صورة وحقيقة الإسلام هناك، ودحض الدعاوى والحملات والأغلاط سواء حركها العداء أم الجهالة أم نضوب المعرفة!