رجائي عطية وسط عتامة التجنى الظالم على الإسلام، وقد قَدّمَ المتطرفون الجانحون المادة لذلك، طالعت منذ أكثر من عشر سنوات كتاب «محمد.. سيرة النبى» الصادر بالإنجليزية فى نيويورك عام 1992، وترجمه للعربية الدكتور محمد عنانى والدكتورة فاطمة نصر. ومؤلفة الكتاب الكاتبة البريطانية «كارين أرمسترونج» راهبة سابقة وباحثة فى تاريخ الأديان، ويُقال إنها أسلمت، وهو خبر غير مؤكد، ولكن يشهد على إنصافها بعيداً عن آفة التعصب هذا الكتاب الذى أنصفت فيه الإسلام وأنصفت رسول الإسلام. جذور العداء فى الغرب لرسول الإسلام! فى فصل مستفيض، وَطّأت المؤلفة لكتابها الموضوعى المنصف ببحث عن جذور العداء فى الغرب لرسول الإسلام، والذى تناوله البعض منهم تحت عنوان «العدو محمد». تراكمت مع هذا العداء، على مر السنين، مفاهيم مغلوطة صارت كالأساطير التى جعلت تجرى مجرى المسلمات ولا يناقشها أحد هناك إلا القليلون! لهذه المسلمات المغلوطة، تصدت «كارين أرمسترونج» لتفسير تراكماتها، ودحض ما لابَسها من شرود معيب فى فهم رسالة الإسلام ونبوة رسوله. وقيمة هذا الكتاب، فضلاً عن موضوعيته وقوة حججه وأسانيده، أنه عصارة فكر راهبة بريطانية سابقة، غير مظنون فى محاباتها للإسلام ورسوله، ومن الغريب اللافت أنه مع عنايتنا بترجمة الكتاب إلى العربية، مع أن الناطقين بالضاد أمامهم مئات المؤلفات التى أنصفت الرسالة والرسول، فإننا لم نتفطن إلى لزوم ترويج هذا الكتاب بين المتحدثين بالإنجليزية، وأثر ذلك مضاعف، والترويج متاح بأموال النفط الفائضة بالمليارات. فى وسعها أن تنفق على إعادة طبعه بالإنجليزية، وأن تروج للتوزيع فى الغرب بثمن زهيد أو مجاناً، ليرى الغربيون بلغتهم وأسلوبهم ومفاهيمهم كيف تراكمت المغالطات المضلة فصارت تلالاً ثم جبالاً باتت تحجب الرؤية وتسلس إلى التجاوزات المتتابعة التى تفتح أبواباً لن تنغلق للصراع بين الأديان! معرفة وفهم تراكمات وجذور المغالطات، وكيف شكلت منظور كثير من الغربيين عن الإسلام ورسوله، ضرورة بالغة الأهمية لتوجيه الخطاب إليهم، بلغتهم لا بلغتنا، وهى غاية جاءتنا على الجاهز فى كتاب الراهبة البريطانية السابقة كارين أرمسترونج الموضوعى المنصف. فيه تتبعت جذور العداء والصورة المغلوطة التى أخذت تتراكم فى الغرب ضد الإسلام ورسوله!. كيف اعتقد يولو جوليو وألفارو وغيرهما أن سطوع نجم الإسلام ما هو إلّا إشارة لقدوم المسيخ الدجال، وهو «الدجال العظيم» الذى ورد وصفه فى العهد القديم، والذى ينذر حكمه بحلول الأيام الأخيرة للبشرية. وكيف جعل البعض يفسرون ما ورد فى سفر «رؤيا يوحنا اللاهوتى» عن وحش عظيم يخرج من الهاوية ويتوج نفسه على عرش جبل المعبد، ويحكم العالم، بأنه نذير يطابق مقدم «محمد» الذى أتى بعد المسيح، ويومئ إلى انتشار الدين الذى جاء به، وإلى فتح المسلمين بيت المقدس، وبنائهم مسجدين عظيمين على جبل المعبد، وأن إقبال المسيحيين على هذا الدين الجديد ما هو إلّا ارتداد وهرطقة! حتى جعل بعضهم يتساءل: «كيـف سمح الله لهذه العقيدة (الكاذبة) بالظهور والانتشار؟ ترى هل تخلى الله عن مناصرة شعبه وأهله؟». على مدار سنين، فيما فصّلته كارين أرمسترونج، توالت صيحات التهجم المحمومة ضد نبى الإسلام، مدفوعة بالوهم الذى سيطر على الأذهان بالتفاسير المغلوطة «للرؤيا»، والرعب الذى طفق يسيطر أن «محمداً» (عليه السلام) دجال كاذب، نصب نفسه نبياً ليخدع العالم، وجعلت هذه الأوهام الكاذبة تصور نبى الإسلام بأنه فاسق يستمرئ الفسق البذىء، ويدفع أتباعه إلى محاكاته، ويجبر الناس بحد السيف على اعتناق عقيدته. أما الإسلام فليس ديناً مستقلاً أو منزلاً، بل بدعة وصورة مشوهة من صور المسيحية، تؤمن بالعنف والسيف، وتمجد الحرب والقتل! عودة لظهور الأساطير لم تكتف الراهبة البريطانية السابقة بالتعقيب على هذه الفرية ببيان الفارق بين الديانة وبين ممارسات الناس، وإنما استطردت أيضاً لبيان أن هذه الأساطير الغريبة المغلوطة عادت للظهور بعد 250 سنة وأوروبا توشك على العودة للساحة الدولية. أعادت هذه الجنوحات الصورة الوهمية الخيالية لنبى الإسلام الذى حُرف اسمه إلى «ماهوند» Mahond، وأصبح مع انتشار هذه الأوهام على المستوى الشعبى العدو الأكبر للهوية الغربية الناشئة! وصار فيما تقول المؤلفة: «يرمز لكل ما نتمنى أن ننفيه عن ذواتنا. ولا تزال آثار الوهم القديم قائمة حتى يومنا هذا. إذ لا يزال الشائع عند الغرب أن يسلّموا دون نقاش بأن محمداً ليس سوى رجل «استغل» الدين فى تحقيق الفتوحات وسيادة العالم، وأن الإسلام دين عنف يعتمد على السيف، وذلك على الرغم -والكلام للمؤلفة- من وجود دراسات علمية وموضوعية كثيرة عن الإسلام ونبى الإسلام تثبت خطل هذه الأسطورة المرتبطة بـ«ماهوند»! الحروب الصليبية توقفت الباحثة البريطانية فى استقرائها تراكم عداء الغرب للإسلام ورسوله، عن جهالة واستسلام للأساطير، عند موجات الحروب الصليبية التى تزامنت مع شن الحروب من الشمال ضد مسلمى الأندلس، وقيام البابا أوريان الثانى باستدعاء فرسان أوروبا عام 1095 لما سماه «تحرير قبر المسيح فى أورشليم». أبرزت كارين أرمسترونج كيف أفصحت ملحمة «أنشودة رولان» التى أُلِّفَت فى زمن الحملة الصليبية الأولى عن جهـل فاضح بالطبيعة الأساسية لعقيدة المسلمين، إذ صورتهـم «عابدى أصنام» يركعون للآلهـة «أبوللو» و«تيرفاجان» و«محمد»!!.. وأنهم وباء وقذارة ينبغى تطهير الأماكن المقدسة منهم!! كيف صنعوا «أسطورة ماهوند»؟! كشفت «أرمسترونج» كيف صنعوا «أسطورة ماهوند» عدو الممالك المسيحية، وكيف صارت هذه الأسطورة الزائفة راسخة فى مخيلة أبناء الغرب، وكيف أدى هذا الوهم الكاذب الخيالى «لشخصية ماهوند» (نبى الإسلام) إلى زيادة الصعوبة التى يواجهها الغربيون اليوم إذا حاولوا النظر إليه باعتباره على الأقل شخصية تاريخية جديرة بالدراسة التى يولونها لنابليون أو للإسكندر الأكبر! يستغرب كل عاقل مقدار خيبة الأساطير التى شكلت الوجدان الغربى بعامة عن رسول القرآن (عليه السلام). فهو فى هذه الأساطير ساحر دبر «معجزات» زائفة ليخدع العرب السذج ويدمر الكنيسة فى أفريقيا والشـرق الأوسط. تتحدث إحـدى الحكايات عن نور أبيض أثار الذعر ثم ظهر آخر الأمر بالقرآن الذى أتى به محمد إلى العرب، وأخرى تروى أن محمداً قام بتدريب حمامة على التقاط حبات البازلاء من أذنيه ليبدو للرائـى كأن روح القدس تتنزل عليه. مهما غضبت فلن تستطيع إلا الإشفـاق على تصديقهـم هـذه الخزعبلات التى اصطنعها مغرضون لم يجدوا تفسيراً لنجاح الإسلام إلا بإنكار الوحى وتصويره على أنه مجرد هرطقة أو فرقة خارجة على المسيحية، وهى أوهام تراكمت فى تكوين القلق من الإسلام ثم العداء له وللمسلمين.. سطـروا بها صفحات مخجلة لا يتسع المقام هنا لتفصيلها!!.. يكفى أن تعرف أن «دانتى» الذى يتشدق كثيرون بعبقريته فى الكوميديا الإلهية، قد صور فيها محمداً عليه السلام فى الدرك الثامن من الجحيم فى عذاب مهين مع أرباب الفتنة التى أحدثت الانشقاق الدينى!!. قريب من هذا الفكر الملبوس ما وقع فيه مارتن لوثر والبروتستانت وآخرون من بعدهم درجوا حتى فى عصر النهضة على نعت الإسـلام بـ«المذهب المحمـدى» ونعت رسوله بأنه: «الدجـال»، الشهير بمحمد، أو بأنه النبى الكاذب، وإطـلاق مسمى «المحمدية» Mohamadism بدلاً مـن «الإسلام».. وهو ما صار يجرى الآن فيما تمد به الولايات المتحدة شبكة الإنترنت، متوهمة أنها بذلك تستطيع أن تخفى الإسلام الذى عم المعمورة ويتزايد معتنقوه كل يوم فى أمريكا ذاتها!